سباق الطائرات و الحياة..
في طُفولتي
كنت أرى الطائرة الصغيرة من حديقة منزلنا
ملوحة لها و راكضةمعها
وكأن سرعتي ستسبقها هي و قوانين الفيزياء معاً
كنت أنتظرها كل يوم واعدة نفسي بأنّي هذه المرة سأفوز حتماً
وفي كل مرة كنت أنتظرها كان شعور التحدي بي يكبر أكثر
يكبر لدرجة تكاد أن تمحي بُعد الأميال التي تفصلنا..
حتى جاء اليوم الموعود
وقرر أبي أن نسافر في أحد الإجازات القصيرة
مع خصمي الأكبر، الطائرة..
وبات شعور اللّهفة لا يكفي لوصف ما كان يغمرني من شعور
فاليوم لن أسبقها فحسب،
بل اليوم بقرارة نفسي سأتربّع على عرشها فائزة
فائزة بالوصول..
حين ركبنا الطائرة، كان شعور الدهشة يتسيّد الموقف
فبتُّ أتأمّل ضخامة حجمها عن قرب
وتفاصيل مقعدي وجماليته
وأتأمّل المجلة تارة وقائمة الطعام تارةً أخرى
أتأمّل الركّاب وقصصهم وكأننا جميعاً هنا على ذات منصة التتويج..
حانت اللّحظة الحاسمة و حلّقنا في سماء هذا الكون البديع
وما أصبحت المنازل في عيني إلا أشكال هندسية صغيرة جدًا
وبتُّ أتخيل
كم من طفل في كل منزل يلحق الطائرة التي أنا بها
وكم من طفل ينتظر في فناء منزله صوت محركّات الطائرة لتعلن عن صافرة البداية للسباق الأعظم
كم من طفل ينتظر لحظة تتويجه بالعرش الذهبي الذي أنا وريثته الآن
كنت أشعر أنني أهم شخص في هذا العالم الصغير وأكثر الناس قوة وسطوة
أما الآن
الأمور أصبحت روتينية لا تدهشني
عرشي الذهبي بات بالنسبة لي مقعد ٢٢أ وأصبحت النافذة ليست إلا منبه الإقلاع والهبوط
لم أعد أشعر أن الكثير من الأشخاص يحلمون بهذا المقعد
ولا بنافذة العالم التي بجانبي
بتُّ أسابق الحياة بعرضها تاركة تلك التفاصيل الصغيرة تمر مرور الكرام بما فيها عرشي الذي انا عليه الآن..
حين كنا صغاراً
كانت الدهشة تولّد فينا شعور من الامتنان وكأننا البوصلة لكل شيء،وكأنّ العالم يتمحور حولنا وحول لحظتنا..
أما الآن
فالشعور بالدهشة لم يعد بوصلة مشاعرنا ولم يعد الامتنان قِبلة لأفعالنا
أنكرنا التفاصيل الصغيرة التي تغمر يومنا، تلك التفاصيل التي كانت حلم لنا قبل أن تتوّجها ذواتنا بال"روتين"..
حين كبرنا
انتهى سباق الطائرات في فناء منازلنا
والحياة هي التي باتت تسابقنا
معلنة نفسها أنّها خصمنا الأول
وستكون الفائزة دومًا، مهما طالت الرحلة أو قصرت..
لذا
لنعيد نظرة الدهشة في تفاصيلنا الصغيرة تلك
لنعش أحلامنا وكأن العالم بأكمله ينتظر تحقيقه لنا
لنعش كل لحظة وكأنها تتويج لأعظم الانجازات وأهمها
في كل مكان ندخله، مقعدنا هو العرش ولنتذكر دوماً من يحلمون بعرشنا هذا
أيًا كان المكان
حتى لو كان هذا العرش مجرد مقعد طائرة..
كتب في الخامس والعشرين من يناير ٢٠٢٤
على متن الطائرة وعلى عرشي الذهبي ٢٢أ
دانة
Comments
Post a Comment